جغرافية الباز الاشهب
قراءة ثانية في سيرة الشيخ عبدالقادرالكيلاني،
وتحقيق محل ولادته وفق منهج البحث التاريخي
د/جمال الدين فالح الكيلاني
ان وقائع التاريخ الكبرى عائمات جليد طرفها ظاهر فوق الماء ، وكتلتها الرئيسية تحت سطحه ومن يريد استكشافها عليه أن يغوص في الأعمال (جان جاك روسو.(
ما علمنا فيما بلغنا من التفات الناقلين وكرامات الأولياء أكثر مما وصل إلينا من كرامات القطب شيخ بغداد محيي الدين عبد القادر الجيلاني رضي الله عنه, كان شيخ السادة الشافعية و السادة الحنابلة ببغداد وانتهت إليه رياسة العلم في وقته, وتخرج بصحبته غير واحد من الأكابر وانتهى إليه أكثر أعيان مشايخ العراق وتتلمذ له خلق لا يحصون عدداً من أرباب المقامات الرفيعة, وانعقد علية إجماع المشايخ والعلماء بالتبجيل والإعظام, والرجوع إلى قولة والمصير إلى حكمه, وأُهرع إليه أهل السلوك - التصوف - من كل فج عميق. وكان جميل الصفات شريف الأخلاق كامل الأدب والمروءة كثير التواضع دائم البشر وافر العلم والعقل شديد الاقتفاء لكلام الشرع وأحكامه معظما لأهل
العلم مُكرِّماً لأرباب الدين والسنة, مبغضاً لأهل البدع والأهواء محبا لمريدي الحق مع دوام المجاهد ولزوم المراقبة إلى الموت. وكان له كلام عال في علوم المعارف شديد الغضب إذا انتهكت محارم الله سبحانه وتعالى سخي الكف كريم النفس على أجمل طريقة. وبالجملة لم يكن في زمنه مثله رضي الله عنه
(الامام النووي)
جيلان هي قرية تاريخية
عراقية تابعة لمدينة المدائن قرب بغداد .
== التاريخ ==
ذكرتها عشرات المصادر والمراجع التاريخية والجغرافية وكتب البلدانيين العرب واليها نسب العديد من الأعلام ولعل من أهمهم الشيخ *عبد القادر الجيلاني* في (470 هـ- 561 هـ )، الإمام الصوفي والفقيه الحنبلي ، الذي يوصف بـ "تاج العارفين" و"محيي الدين" و"الباز الاشهب". إليه تنتسب الطريقة القادرية الصوفية والذي ساهم في اعداد جيل صلاح الدين الذي حرر القدس الشريف من الصليبيين.
((هو أبو صالح السيد محي الدين عبد القادر الجيلاني بن السيد أبي صالح موسى بن السيد عبد الله الجيلي بن السيد يحيى الزاهد بن السيد محمد المدني بن السيد داود الامير بن السيد موسى الثاني بن السيد عبد الله أبي المكارمبن السيد موسى الجونبن السيد عبد الله المحضبن
السيد الحسن المثنىبن السيد الإمام الحسن السبطبن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب زوج السيدة البتول فاطمة الزهراءبنت رسول الله
محمد صلى الله عليه وسلم. فبينه وبين فاطمة الزهراء أحد عشر أبا)).
،ولاصحة لولادته في جيلان الطبرستان ،لان اغلب من ذكرها اعتمد على رواية واحدة رددت بدون تدقيق او تحقيق، ويؤكد نسبته الى جيل العراق، عدد من المؤرخين منهم صاحب مخطوطة*مهجة البهجة ومحجة اللهجة * والعلامة مصطفى جواد في كتابه اصول التاريخ والادب والمؤرخ حسين علي محفوظفي مخطوطاته والدكتور ناجي معروف في مقالته جيلان العراق وسكانها وهي مخطوطة عند طلابه وتحدث عنها الدكتور يوسف زيدان في كتابه (عبد الكريم الجيلي) والدكتور خاشع المعاضيدي في كتابه اعالي الرافدين ، وتؤكد المصادر إلى أن الشيخ عبد القادر لم يكن مهتم بموضوعة الاصل والفصل وهذا معروف مما فتح الباب لان ينسب لطبرستان والامام لم يعلق على ذلك شانه شان موضوعة نسبه -مما يتناسب وشخصيته كما يقول العلامة مصطفى جواد في تعليقه على كتاب تكملة اكمال الاكمال.
يقول الجغرافي ياقوت في معجم البلدان والجيل قرية من اعمال بغداد تحت المدائن بعد زرارين ويسموها الكيل وقد سماها ابن الحجاج -الكال- قال((لعن الله ليلتي بالكال - انها ليلة تعر الليالي)) وقال اذا نسب الى البلاد قيل جيلاني واذا نسب الى رجل منهم قيل جيلي ، وقال صاحب مخطوطة (مهجة البهجة ومحجة اللهجة) وجيل قرية بشاطىء الدجلةعلى مسيرة يوم واحد من بغداد تحت المدائن مما يلي طريق واسط العراق واليها وفيها ولد شيخ الإسلام عبد القادر ،واغلب سكانها من الاكراد النازحين من كردستان الكبرى المترامية الاطراف وبالذات من قبيلة بشدر،وهذا ما اورده المؤرخ عباس العزاوي في تعليقاته على رحلة المنشي البغدادي،وهذا يعلل تعلق الاكراد به ،وطبعا هذا لايتعارض، باي حال من الاحوال، مع نسبه الحسني العريق .
ولقد نعتته المصادر القديمة اجمع بالجيلي وهي نسبة جيلان العراق، ومن الجدير بالذكر ان هناك العديد من المناطق في العالم تحمل اسم جيلان منها جيلان العراق وجيلان إيران وجيلان أفغانستان وجيلان تركيا وجيلان كوسوفو وجيلان مصر،بل ان من ينسبه الى جيلان الطبرستان يتردد الى اي قصبة منها بالتحديد ينسب فمرة الى نيف ومرة الى بشتير وغيرهما،مما يدل على ان الموضوع مرتبك اصلا عند القدامى، ومن يتصفح مخطوطة تاريخ شيخ الاسلام عبدالقادر للدروبي يطلع على روايات مختلفة في مكان الولادة ،مع ترجيح واضح لرواية جيل العراق,ومن يتابع سيرة الامام عبدالقادر ،يعرف انه قضى اغلب سياحاته وايامه الاولى في جيل العراق ،ومن المؤكد انه ليس للصدفة دور في ذلك ،بل دليل على ارتباطه بهذه بالارض،ويؤكد علاء اللامي في كتابه السرطان المقدس نقلا عن استاذه هادي العلوي,ان كلمة الجيلي،تحرفت الى الكيلاني ،في العصور المتاخرة ،وان جل مصادر تاريخ تذكر لقبه الجيلي لاغيره ،كابن الجوزي وهو معاصر له وابن الاثير وابن كثير وابن شاكر ،ومن المهم ان السيد شرف الدين الكيلاني في كتابه تاريخ النقباء يؤكد انه منسوب الى جيل العراق، ولكنه يرجع ويقول انه نسب اليها لقضائه اوقاتا طويله فيها لا لولادته فيها ،وهذا ما لايتناسب مع منهج البحث ولا يقبله المنطق ،ومن المستشرقين اشارت البروفيسورة جاكلين شابي الاستاذه في السوربون اشارة واضحة الى وجود رواية واضحة تشير الى انه ولد في بلاد الرافدين ومن هنا يتجلى لنا وبوضوح تام ان الامام عبدالقادر عراقي الولادة والوفاة وهذه، حقيقة تاريخية – جغرافية ،قائمة على منهج البحث التاريخي ،وهو ما تعتمده الاسرة الكيلانية كرواية رسمية لها في تاريخ الاسرة المتوارث جيل عن جيل.
* ولقد ذكر العلامة سالم الالوسي ، ان الرئيس السابق احمد حسن البكر في بداية حكمه ، طالب إيران باسترجاع رفات الخليفة هارون الرشيد ، كونه رمز لبغداد في عصرها الذهبي،وذلك بدعوة من المرحوم عبدالجبار الجومرد الموصللي، الوزير السابق في عهد عبدالكريم قاسم ،وصاحب كتاب هارون الرشيد ، ولكن إيران امتنعت ،وبالمقابل طلبت استرجاع رفات الشيخ عبدالقادر الكيلاني ،كونه من مواليد كيلان إيران ،وعندها طلب الرئيس من العلامة مصطفى جواد ،بيان الامر ،فاجاب مصطفى جواد : ان المصادر التي تذكر ان الشيخ عبد القادر مواليد كيلان إيران ،مصادر تعتمد رواية واحدة وتناقلتها بدون دراسة وتحقيق ،اما الاصوب فهو من مواليد قرية تسمى (جيل) قرب المدائن ،ولاصحة كونه من إيران او ان جده اسمه جيلان ، وهو ما اكده العلامة حسين علي محفوظ في مهرجان جلولاء الذي اقامه اتحاد المؤرخين العرب وكان حاضرا الالوسي ايضا سنة 1996،وفعلا اخبرت الدولة الإيرانية بذلك ولكن بتدخل من دولة عربية ،اغلق الموضوع .
. انظر جيل العراق، ياقوت الحموي، شهاب الدين أبوعبد الله ياقوت بن عبد الله البغدادي(ت626هـ/1228م)، معجم البلدان،ج2، دار صادر، بيروت،1977، ص49وابن شاكر
الكتبي فوات الوفيات ج4 ص2 وحاجي خلفية كشف الظنون ج2 ص340 ويوسف زيدان
تحقيقه للديوان و كتابه عبدالكريم الجيلي الهيئة المصرية للكتاب القاهرة
1988ص15وخاشع المعاضيدي من بعض انساب العرب بغداد1990ج2ص77 وابراهيم الدروبي
المختصر في تاريخ شيخ الاسلام طبع باكستان ص15والمستشرقة جاكلين
شابي,عبد القادر الجيلاني بين الحقيقة التاريخية والاسطورة الادبية ،ترجمة سحلول
،بيروت2003 12وعباس العزاوي ,رحلة المنشي البغدادي , الباب الثالث،ص36,
بغداد1959،شرف الدين الكيلاني ،تاريخ النقباء ،طبع بيروت ،ص28 والمؤرخ التركي
شمس الدين سامي، كتاب قاموس الاعلام،ج4 ص3087 .
وانظر مواقع النت المتعددة التي ترجمت لكل من مصطفى جواد وحسين علي محفوظ
وسالم الالوسي ،وهم اعلام المؤرخين في العراق في العصر الحديث و حجة في
الاختصاص.
.
- المصدر كتاب :الشيخ عبدالقادرالكيلاني رؤية تاريخية معاصرة ،دكتور جمال الدين فالح الكيلاني ،تقديم الدكتور عماد عبدالسلام رؤوف،مؤسسة مصر مرتضى،بغداد.
-
الديار اللندنية22/1/2012