مجدى سالم مدير
الوصف : مدير منتديات اسلام ويب عدد المساهمات : 288 تاريخ التسجيل : 23/01/2010
| موضوع: مضمون ما جرى لنوح مع قومه الأحد يونيو 20, 2010 4:28 pm | |
|
مضمون ما جرى لنوح مع قومه
وأما مضمون ما جرى له مع قومه مأخوذاً من الكتاب والسنة والآثار ، فقد قدمنا عن ابن عباس : أنه كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على الإسلام ، رواه البخاري . وذكرنا أن المراد بالقرن الجيل أو المدة على ما سلف .
ثم بعد ذلك القرون الصالحة حدثت أمور اقتضت أن آل الحال بأهل ذلك الزمان إلى عبادة الأصنام .
وكان سبب ذلك ما رواه البخاري من حديث ابن جريح عن عطاء عن ابن عباس عند تفسير قولهم تعالى : " وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا " قال : هذه أسماء رجال صالحين من قوم نوح ، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها أنصاباً وسموها بأسمائهم ، ففعلوا فلم تعبد ، حتى إذا هلك أولئك وانتسخ العلم عبدت .
قال ابن عباس : وصارت هذه الأوثان التي كانت في قوم نوح في العرب بعد . وهكذا قال عكرمة والضحاك وقتادة ومحمد ابن إسحاق .
قال ابن جرير في تفسيره : حدثنا ابن حميد ، حدثنا مهران عن سفيان ، عن موسى ، عن محمد بن قيس قال : كانوا قوماً صالحين بين آدم ونوح ، وكان لهم أتباع يقتدون بهم ، فلما ماتوا قال أصحابهم الذين كانوا يقتدون بهم : لو صورناهم كان أشوق لنا إلى العبادة إلى ذكرناهم ، فصورهم فلما ماتوا وجاء آخرون دب إليهم إبليس فقال : إنما كانوا يعبدونهم وبهم يسقون المطر . فعبدوهم .
وروى ابن أبي حاتم عن عروة ابن الزبير أنه قال : ود ويغوث ويعوق وسواع ونسر ، أولاد آدم وكان ود أكبرهم وأبرهم به .
قال ابن أبي حاتم : حدثنا أحمد بن منصور ، حدثنا الحسن بن موسى ، حدثنا يعقوب عن أبي المطهر ، قال ذكروا عند أبي جعفر - هو الباقر - وهو قائم يصلي يزيد بن المهلب ، قال فلما انفتل من صلاته قال : ذكرتم يزيد بن المهلب ، أما أنه قتل في أول أرض عبد فيها غير الله تقعالى . قال ذكر وداً قال : كان رجلاً صالحاً ، وكان محبباً في قومه ، فلما مات عكفوا حول قبره في أرض بابل وجزعوا عليه ، فلما رأى إبليس جزعهم عليهم تشبه في صورة إنسان ثم قال : إني أرى جزعكم على هذا الرجل ، فهل لكم أن أصور لكم مثله فيكون في ناديكم فتذكرونه به ؟ قالوا : نعم ، فصور لهم مثله ، قال : فوضعوه في ناديهم وجعلوا يذكرونه . فلما رأى ما بهم من ذكره قال : هل لكم أن أجعل في منزل كل واحد منكم تمثالاً مثله ليكون له في بيته فتذكرونه ؟ قالوا : نعم ، قال : فمثل لكل أهل بيت تمثالاً مثله ، فأقبلوا فجعلوا يذكرونه به ، قال : وأدرك أنباؤهم فجعلوا يرون ما يصنعون به ، قال : وتناسلوا ودرس أمر ذكرهم إياه حتى اتخذوه إلهاً يعبدونه من دون الله أولاد أولادهم ، فكان أول ما عبد غير الله ود الصنع الذي سموه وداً .
ومقتضى هذا السياق أن كل صنم من هذه عبده طائفة من الناس ، وقد ذكر أنه لما تطاولت العهود والأزمان ، جعلوا تلك الصور تماثيل مجسدة ليكون أثبت لها ، ثم عبدت بعد ذلك من دون الله عز وجل . ولهم في عبادتها مسالك كثيرة جداً قد ذكرناها في مواضعها من كتابنا التفسير . . ولله الحمد والمنة .
وقد ثبت في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنه لما ذكرت عنده أم سلمة وأم حبيبة ، تلك الكنيسة التي رأينها بأرض الحبشة ، ويقال لها مارية وذكرتا من حسنها وتصاوير فيها قال : " أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجداً ، ثم صوروا فيه تلك الصورة ، أولئك شرار الخلق عند الله عز وجل " .
* * *
والمقصود أن الفساد لما اتنشر في الأرض وعم البلاء بعبادة الأصنام فيها ، بعث الله عبده ورسوله نوحاً عليه السلام ، يدعو إلى عبادة الله وحده لا شريك له ، وينهي عن عبادة ما سواه .
فكان أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض ، كما ثبت في الصحيحين من حديث أبي حيان ، عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير ، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الشفاعة ، قال : " فيأتون آدم فيقولون : يا آدم . . أنت أبو البشر ، خلقك الله بيده ، ونفخ فيك من ورحه ، وأمر الملائكة فسجدوا لك وأسكنك الجنة ، ألا تشفع لنا إلى ربك ؟ ألا ترى ما نحن فيه وما بلغنا ؟ فيقول : ربي قد غضب غضباً شديداً لم يغضب قبله مثله ، ولا يغضب بعده مثله ، ونهاني عن شجرة فعصيت ، نفسي نفسي ، اذهبوا إلى غيري . اذهبوا إلى نوح .
فيأتون نوحاً فيقولون : يا نوح . . أنت أول الرسل إلى أهل الأرض ، وسماك الله عبداً شكوراً ، ألا ترى إلى ما نحن فيه ألا ترى إلا ما بلغنا ؟ ألا تشفع لنا إلى ربك عز وجل ؟ فيقول : ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله ولا يغضب بعده مثله ، نفسي نفسي " وذكر تمام الحديث كا أورده البخاري في قصة نوح .
فما بعث الله نوحاً عليه السلام ، دعاهم إلى إفراد عبادة الله وحده لا شريك له ، وألا يعبدوا معه صنماً ولا تمثالاً ولا طاغوتاً وأن يعترفوا بوحدانيته ، وأنه لا إله غيره ولا رب سواه ، كما أمر الله تعالى من بعده من الرسل الذي هم كلهم من ذريته ، كما قال تعالى : " وجعلنا ذريته هم الباقين " وقال فيه وفي إبراهيم : " وجعلنا في ذريتهما النبوة والكتاب " ، أي كل نبي من بعد نوح فمن ذريته ، وكذلك إبراهيم .
قال الله تعالى : " ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت " وقال تعالى : " واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون " وقال تعالى : " وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون " .
ولهذا قال نوح لقومه : " اعبدوا الله ما لكم من إله غيره إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم " وقال : " أن لا تعبدوا إلا الله إني أخاف عليكم عذاب يوم أليم " وقال : " يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره أفلا تتقون " وقال : " يا قوم إني لكم نذير مبين * أن اعبدوا الله واتقوه وأطيعون " : و" وقد خلقكم أطوارا " الآيات الكريمات .
فذكر أنهم دعاهم إلى الله بأنواع الدعوة في الليل والنهار ، والسر والإجهار ، بالترغيب تارة والترهيب أخرى ، وكل هذا لم ينجح فيهم ، بل استمر أكثرهم على الضلالة والطغيان ، وعبادة الأصنام والأوثان ، ونصبوا له العداوة في كل وقت وأوان ، وتنقصوه وتنقصوا من آمن به ، وتوعدهم بالرجم والإخراج ، ونالوا منهم وبالغوا في أمرهم .
| |
|
مجدى سالم مدير
الوصف : مدير منتديات اسلام ويب عدد المساهمات : 288 تاريخ التسجيل : 23/01/2010
| موضوع: رد: مضمون ما جرى لنوح مع قومه الأحد يونيو 20, 2010 4:31 pm | |
|
.
" قال الملأ من قومه " أي السادة الكبراء منهم : " إنا لنراك في ضلال مبين " .
" قال يا قوم ليس بي ضلالة ولكني رسول من رب العالمين " أي لست كما تزعمون من أني ضال ، بل على الهدى المستقيم رسول من رب العالمين ، أي الذي يقول للشيء كن فيكون : " أبلغكم رسالات ربي وأنصح لكم وأعلم من الله ما لا تعلمون " وهذا شأن الرسول أن يكون بليغاً ، أي فصيحاً ناصحاً ، أعلم الناس بالله عز وجل .
وقالوا له فيما قالوا : " ما نراك إلا بشرا مثلنا وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي وما نرى لكم علينا من فضل بل نظنكم كاذبين " .
تعجبوا أن يكون بشر رسولاً . وتنقصوا من اتبعه ورأوهم أراذلهم ، وقد قيل إنهم كانوا من أفناد الناس وهم ضعفاؤهم ، كما قال هرقل : وهم أتباع الرسل ، وما ذاك إلا لأنه لا مانع لهم من اتباع الحق .
وقولهم : " بادي الرأي " أي بمجرد ما دعوتهم استجابوا لك من غير نظر ولا روية . وهذا الذي رموهم به هو عين ما يمدحونه بسببه رضي الله عنهم ، فإن الحق الظاهر لا يحتاج إلى روية ولا فكر ولا نظر ، بل يجب اتباعه واإنقياد له متى ظهر .
ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مادحاً للصديق : " ما دعوت أحداً إلى الإسلام إلا كانت له كبوة غير أبي بكر ، فإنه لم يتلعثم " ، ولهذا كانت بيعته يوم السقيفة أيضاً سريعة من غير نظر ولا روية ، لأن أفضليته على من عداه ظاهرة جلية عند الصحابة رضي الله عنهم . ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أراد أن يكتب الكتاب الذي أراد أن ينص فيه على خلافته فتركه ، قال : " يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر " رضي الله عنه .
وقوله كفرة قوم نوح له ولمن آمن به : " وما نرى لكم علينا من فضل " أي لم يظهر لكم أمر بعد اتصافكم بالإيمان ولا مزية علينا " بل نظنكم كاذبين * قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي وآتاني رحمة من عنده فعميت عليكم أنلزمكموها وأنتم لها كارهون " .
وهذا تلطف في الخطاب معهم : ترفق بهم في الدعوة إلى الحق ، كما قال تعالى : " فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى " وقال تعالى : " ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن " وهذا منه .
يقول لهم : " أرأيتم إن كنت على بينة من ربي وآتاني رحمة من عنده " أي النبوة والرسالة ، " فعميت عليكم " أي فلم تفهموها ولم تهتدوا إليها ، " أنلزمكموها " أي أنغصبكم بها ونجبركم عليها ؟ " وأنتم لها كارهون " أي ليس لي فيكم حيلة والحالة هذه ، " ويا قوم لا أسألكم عليه مالا إن أجري إلا على الله " أي لست أريد منكم أجرة على إبلاغي إياكم ما ينفعكم في دنياكم وأخراكم ، أن أطلب ذلك إلا من الله الذي ثوابه خير لي ، وأبقى مما تعطوني أنتم .
وقوله : " وما أنا بطارد الذين آمنوا إنهم ملاقوا ربهم ولكني أراكم قوما تجهلون " كأنهم طلبوا منه أن يبعد هؤلاء عنه ، ووعدوه أن يجتمعوا به إذا هو فعل ذلك ، فأبى عليهم ذلك ، وقال : " إنهم ملاقوا ربهم " أي فأخاف إن طردتهم أفلا تذكرون .
ولهذا سأل كفار قريش رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطرد عنه ضعفاء المؤمنين ، كعمار وصهيب وبلال وخباب وأشباههم ، نهاه الله عن ذلك ، كما بيناه في سورتي الأنعام والكهف .
" ولا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول إني ملك " أي بل أنا عبد رسول ، لا أعلم من علم الله إلا ما أعلمني به ولا أقد إلا على ما أقدرني عليه ، ولا أملك لنفسي نفعاً ولا ضراً إلا ما شاء الله : " ولا أقول للذين تزدري أعينكم " يعني من أتباعه " لن يؤتيهم الله خيرا الله أعلم بما في أنفسهم إني إذا لمن الظالمين " أي لا أشهد عليهم بأنهم لا خير لهم عند الله يوم القيامة ، الله أعلم بهم وسيجازيهم على ما في نفوسهم إن خيراً فيخر وإن شراً فشر ، كما قالوا في المواضع الأخر : " أنؤمن لك واتبعك الأرذلون * قال وما علمي بما كانوا يعملون * إن حسابهم إلا على ربي لو تشعرون * وما أنا بطارد المؤمنين * إن أنا إلا نذير مبين " .
* * *
وقد تطاول الزمان والمجادلة بينه وبينهم كما قال تعالى : " فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما فأخذهم الطوفان وهم ظالمون " أي ومع هذه المدة الطويلة فما آمن به إلا القليل منهم .
وكان كلما انقرض جيل وصوا من بعدهم بعدم الإيمان به ومحاربته ومخالفته . وكان الوالد إذا بلغ ولد وعقل عنه كلامه ، وصاه فيما بينه وبينه ، ألا يؤمن بنوح أبداً ما عاش ودائماً ما بقي .
وكانت سجاياهم تأبى الإيمان وإتباع الحق ، ولهذا قال : " ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا " .
ولهذا : " قالوا يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين * قال إنما يأتيكم به الله إن شاء وما أنتم بمعجزين " . أي إنما يقدر على ذلك الله عز وجل ، فإنه الذي لا يعجزه شيء ولا يكترثه أمر ، بل هو الذي يقول للشيء كن فيكون .
" ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم هو ربكم وإليه ترجعون " أي من يرد الله فتنته فلن يملك أحد هدايته ، هو الذي يهدي من يشاء ويضل من يشاء ، وهو الفعال لما يريد ، وهو العزيز الحكيم ، العليم بمن يستحق الهداية ومن يستحق الغواية ، وله الحكمة البالغة والحجة الدامغة .
* * *
" وأوحي إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن " تسلية له عما كان منهم إليه ، " فلا تبتئس بما كانوا يفعلون " وهذه تعزية لنوح عليه السلام في قومه أنه لن يؤمن منهم إلا من قد آمن ، أي لا يسوءنك ما جرى فإن النصر قريب والنبأ عجب عجيب .
" واصنع الفلك بأعيننا ووحينا ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون " .
وذلك أن نوحاً عليه السلام يئس من صلاحهم وفلاحهم ، ورأي أنهم لا خير فيهم وتوصلوا إلى أذيته ومخالفته وتكذيبه بكل طريق ، من فعال ومقال ، دعا عليهم دعوة غضب الله عليهم فلبى الله دعوته وأجاب طلبته ، قال الله تعالى : " ولقد نادانا نوح فلنعم المجيبون * ونجيناه وأهله من الكرب العظيم " وقال تعالى : " ونوحا إذ نادى من قبل فاستجبنا له فنجيناه وأهله من الكرب العظيم " وقال تعالى : " قال رب إن قومي كذبون * فافتح بيني وبينهم فتحا ونجني ومن معي من المؤمنين " ، وقال تعالى : " فدعا ربه أني مغلوب فانتصر " وقال تعالى : " قال رب انصرني بما كذبون " وقال تعالى : " مما خطيئاتهم أغرقوا فأدخلوا نارا فلم يجدوا لهم من دون الله أنصارا * وقال نوح رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا * إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا " .
فاجتمع عليهم خطاياهم من كفرهم وفجورهم ودعوة نبيهم عليهم .
فعند ذلك أمره الله تعالى أن يصنع الفلك ، وهي السفينة العظيمة التي لم يكن لها نظير قبلها ولا يكون بعدها مثلها .
وقدم الله تعالى إليه أن إذا جاء أمره ، وحل بهم بأسه الذي لا يرد عن القوم المجرمين ، أنه يعاوده فيهم ولا يراجعه ، فإنه لعله قد يدركه رقة على قومه عند معاينة العذاب النازل بهم ، فإنه ليس الخبر كالمعاينة . ولهذا قال : " ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون " .
" ويصنع الفلك وكلما مر عليه ملأ من قومه سخروا منه " أي يستهزئون منه استبعاداً لوقوع ما توعدهم به ، " قال إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون " أي نحن الذين نسخر منكم وتتعجب منكم في إستمراركم على كفركم وعنادكم الذي يقتضي وقوع العذاب بكم وحلوله عليكم . " فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم " .
وقد كانت سجاياهم الكفر الغليظ والعناد البالغ في الدنيا ، وهكذا في الآخرة فإنهم يجحدون أيضاً أن يكون جاءهم رسول .
كما قال البخاري : حدثنا موسى بن إسماعيل ، حدثنا عبد الواحد بن زياد ، حدثنا الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يجيء نوح عليه السلام وأمته ، فيقول الله عز وجل : هل بلغت ؟ فيقول ، أي رب . فيقول لأمته : هل بلغكم ؟ فيقولون : لا ، ما جاءنا من نبي ، فيقول لنوح : من يشهد لك ؟ ! فيقول : محمد وأمته فنشهد أنه قال بلغ " وهو قوله تعالى : " وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا " .
والوسط العدل . فهذه الأمة تشهد على شهادة نبيها الصادق والمصدوق ، بأن الله قد بعث نوحاً بالحق ، وأنزل عليه الحق وأمره به ، وأنه بلغه إلى أمته على أمل الوجوه وأتمها ، ولم يدع شيئاً مما ينفعهم في دينهم إلا وقد أمرهم به ، ولا شيئاً مما قد يضرهم إلا وقد نهاهم عنه وحذرهم منه .
وهكذا شأن جميع الرسل ، حتى إنه حذر قومه المسيح الدجال ، وإن كان لا يتوقع خروجه في زمانهم ، حذراً عليهم وشفقة ورحمة بهم .
كما قال البخاري : حدثنا عبدان ، حدثنا عبد الله ، عن يونس ، عن الزهري ، قال سالم : قال ابن عمر : قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس فأثنى على الله بما هو أهله ، ثم ذكر الدجال فقال : " إني لأنذركموه ، وما من نبي إلا وقد أنذره قومه . لقد أنذره نوح قومه ، ولكني أقول لكم فيه قولاً لم يقله نبي لقومه : تعلمون أنه أعور ، وأنه الله ليس بأعور " .
وهذا الحديث في الصحيحين أيضاً من حديث شيبان بن عبد الرحمن عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ألا أحدثكم عن الدجال حديثاً ما حدث نبي قومه ؟ إنه أعور وإنه يجيء معه بمثال الجنة والنار والتي يقول عليها الجنة هي النار ، وإني أنذركم كما أنذر به نوح قومه " لفظ البخاري .
وقد قال بعض علماء السلف : لما استجاب الله له ، أمره أن يغرس شجراً ليعمل منه السفينة ، فغرسه وانتظره مائة سنة ، ثم نجره في مائة أخرى ، وقيل في أربعين سنة . . والله أعلم .
قال محمد بن إسحاق عن الثوري : وكان من خشب الساج ، وقيل من الصنوبر وهو نص التوراة .
قال الثوري : وأمره أن يجعل طولها ثمانين ذراعاً ، وأن يطلي ظاهرها وباطنها بالقار ، وأن يجعل لها جؤجؤاً أزور يشق الماء .
وقال قتادة : كان طولها ثلاثمائة ذراع في عرض خمسين ذراعاً . وهذا الذي في التوراة على ما رأيته وقال الحسن البصري : ستمائة في عرض ثلاثمائة ، وعن ابن عباس ألف ومائتا ذراع في عرض ستمائة ذراع ، وقيل كان طولها ألفي ذراع ، وعرضها مائة ذراع .
قالوا كلهم ، وكان ارتفاعها ثلاثين ذراعاً ، وكانت ثلاث طبقات كل واحدة عشرة أذرع ، فالسفلى للدواب والوحوش ، والوسطى للناس ، والعليا للطيور ، وكان بلبها في عرضها ، ولها غطاء من فوقها مطبق عليها .
قال الله تعالى : " قال رب انصرني بما كذبون * فأوحينا إليه أن اصنع الفلك بأعيننا ووحينا " أي بأمرنا لك ، بمرأى منا لصنعتك لها ، ومشاهدتنا لذلك ، لنرشدك إلى الصواب في صنعتها .
"
| |
|